حينما فكرت فى زياره البرازيل، دار ببالى غابات الأمازون والقبائل التى تعيش هناك بعاداتها الغير مألوفه على الكثير من الناس ولكنى أكتفيت، لضيق الوقت، بزياره العاصمه ريو دى جانيرو و بللو هوريزونتيه وأورو بريتو..هنا أحكى فقط عن مدينه الذهب الأسود أو أورو بريتو التى أنشأها الأستعمار البرتغالى قبل حوالى 300 عام..كانت بالأمس القريب عاصمه مقاطعه ميناجيرايس وتم نقل العاصمه لصعوبه الطرق المؤديه إليها..هى الأن تحت الأثار العالميه التى تحظى بحمايه اليونسكو...
أنشأت مدينه الذهب الأسود منذ 309 سنه وبالتحديد فى 24 يوينو عام 1698 عندما أكتشف البرتغاليون وجود الذهب بها آنذاك. لم تكن هناك صعوبات كبيره فى تجميع أطنان الذهب بسبب وفرته بالقرب من سطح الأرض أو على أعماق ضئيله . كانت وقتها فى غايه الثراء، ولأن البرازيل كانت مستعمره برتغاليه، أستغلها البرتغاليون بشكل مباشر، فكانت مهمه البلد أرسال المعادن النفيسه إلى الأمبراطوريه بصوره مستمره حتى نضب الذهب الموجود بالقرب من السطح ولأن الأليات الميكانيكيه لم تكن متقدمه كوقتنا الحالى أصبحت تكاليف إستخراج ذهب الأعماق باهظه ....ساءت بعدها حاله المدينه وهجرها أهلها إلى المدن الأخرى حتى وصل تعدادهم مايقرب إلى عشر ما كان وقت الرخاء.. إلى الأن تحتوى أرض هذه المدينه على كيميات هائله من الثروات المعدنيه والتى لم أرى مثيلاً لها فى إى بلد زرته من قبل. السبب فى تسميتها بالذهب الاسود يرجع إلى أن الذهب ممزوج بأكسيد الحديد" إيرون أوكسايد" ولذا يكون لونه أسود. تكونت المدينه لهذا السبب فقط إذ لايوجد إى شيء أخر هناك سوى المعادن وتقع فى منطقه جبليه وعره غير صالحه للزراعه أو رعى الأغنام. قام البرتغاليون آنذاك بجلب العديد من العبيد من أفريقا للعمل فى المناجم وإرسال الذهب إلى ملك البرتغال ...كانت المدينه وقتها مقسمه إلى عده أحياء ، عزلت "الفقراء" أو العبيد فى مكان من المدينه وكان لهم كنائسهم الخاصه، حتى أن القساوسه والقديسين كانوا إيضا منهم أو من ذات البشره السمراء..الكنائس لها طراز فريد من الخارج وهي تحفه معماريه من زمن الباروك ومن الداخل مطليه بالذهب..دخلت أشهرها هناك ورأيت أحد المرشيدين المسيحين يسب فى الفاتيكان واللى خلفوه لأنهم لم يكن لهم موقف صارم ضد تجاره الرق بل كانت جيوبهم مملوءه بذهب هذه البلده فى الوقت الذى كان يباع المرء بعشره دولارات!! لا أعرف إذا كان هذا الكلام صحيح أم لا ولكن لايوجد عندى وقت لهذا وعلى المتضرر أن يلجأ إلى العم جوجل ويبحث ليعرف الحقيقه، ولكن ما رايته كان يحكى عن آلام أناساً ولت قد أكرهت على البقاء بعيدا عن موطنها الأصلى وسلبت حريتها وأرادتها ودينها لحساب جشع وطمع المستعمر البرتغالى وقتها...يحكى أن أحد العبيد كان أصلا زعيم قبيله فى موطنه الأصلى ،الكنغو، ولما أستعبده البرتغليون ليعمل فى مناجم الذهب كان يقوم بإدخار الذهب خلسه..ويقال أنه كان يضع براده الذهب فى شعر رأسه حتى لايكتشفه أحد ، المهم فى النهايه أستطاع أن يشترى نفسه من مالكه بعد مرور خمسه أعوام فقط على عبوديته..بعد هذا بقليل أستطاع أن يشترى أبنه وأستطاع فيما بعد أن يشترى منجم الذهب ومن إيراده أشترى كثيراًَ من العبيد وأعتقهم..وكمان بنى كنيسه...هذه حكايه تعتبر شبه أسطوره ولكن هذا مايتردد به معظم البرازيليون لدرجه أن عملوا فيلم من قصه حياته
ذهبت إلى فندق متواضع فى قلب المدينه وبالتحديد بجوار ميدان ترادنس أو دكتور السنان ، حرفيا معناها خالع السنان نسبه إلى الثورى الوطنى ترادنس، جواكيم حوزيه دى سيلفا خافير، الذى قبض عليه البرتغليون وعذبوه وقتلوه على المقصله بسبب مطالبته بالأستقلال ...لم يكتفوا بهذا بل أخذوا رأسه وعرضوها فى شوارع ريو ليرعبوا من كانت تراوده فكره الأستقلال ...وكعاده التاريخ نجد أن الشرفاء والأحرار لايموتون بل يكونوا رمزا مخلدا للكرامه والمجد..هكذا كان ترانس ..الأن هو رمز العزه والكرامه للبرازيل ..أما من قتلوه فتلعنهم الناس لقرون قادمه وتمتعض النفس لذكر اسماءهم..ياريت الجدع بتاعنا يفهم بقه.. المهم، الفندق اللى أختارته كان قديم للغايه وفراشه عتيق حتى السرير يكاد يكون عمره 100 عام أو أكثر وحقيقى كان تحفه رائعه..عامه أحب أنا الأثاث القديم لكن ليس لأستخدامه بل لاقتناءه فقط ، المهم كان السرير متين وأستحمل وجود 75 كيلوجرام عليه لعده ساعات يومياً.
بعيدا عن تاريخ الكنائس القديمه وما حدث فيها وعن آلام الماضى والحاضر ذهبت لتسلق أعلى قمه فى تلال المدينه وتسمى إيته كولومى أو صباع الأله. وعلشان خطوره المنطقه بسب تجار المخدرات وقطاع الطرق أضطررت إلى إستئجار مرشد لكى يدلنى على أسلم طريق بعيداً عن وجع الدماغ..
لم تكن الرحله صعبه بل على العكس كنا نعدو على التلال وقطعنا مسافه 22 كيلو متر فى أربعه ساعات ونصف فقط بإرتفاع 1000 متر! فى الطريق أخذت بعض الصور لهذه المنطقه السحريه.. سأترككم مع بعض الصور التى أخذتها أثناء رحلتى حول المدينه
يتبع
وسط المدينه عند محطه القطار
منظر من الفندق على المدينه، أورو بريتو ، التى لازالت تعيش على أصداء الماضى وهذا ما يعطيها جازبيه خاصه فى عيون الكثير من الزائرين
سريرى العسل، يسلام كنت بنام هنه زى لوح الخشب ، بصراحه كان عظيم جدا
الدش الفقرى مكانش شغال واطريت أستحمه بميه ساقعه ، جمدت مفاصلى خصوصا بعد رجوعى من على الجبل، المهم صاحب الفندق الطيب صلحوا بعدها بيوم وكان يقطر المياه الشبه ساخنه بمعدل كوبايه شاى كل دقيقه، كل ده ب سبعين دولار..على فكره كل الفنادق بهذا النوع من الخدمات واللى مش عاجبه يروح مدينه تانيه..
مدخل المنطقه المحميه ،لون الأرض حمراء بسبب أكاسيد الحديد وبعض المعادن الأخرى
بدايه الصعود لقمة إيته كولومى
جدول مياه على طريق الصعود، شربت منها وربنا يستر لان المنطقه فيها معادن ثقيله
يسلام فيه أحلى من كده! جنه والله لازلت أزكر الهواء النقى والمنظر الرائع لمدينه الذهب خلف التلال